لم يَكن حقيقة أنني احمل درجة الدكتوراه في اللغة العربية، وعملي كأستاذة جامعية تُدرِّس الأدب العربي لمرحلتي البكالوريوس والماجستير، وكَوْني أمّا وكاتبة ليَحُول بيني وبين أن أعود تلميذةً على مقاعد الدَّرْس لدراسة بكالوريوس جديد في اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعة العربية المفتوحة التي كانت خيارا مكّنني من الجمع بين كل ذلك، بما تهيِّئه الجامعة من نظام تعليمي مفتوح يتيح لك التعلم والتقدّم العلمي بما يتواءم مع مختلف الظروف التي تُعدّ عوائق في العادة.
كان الشغف بتحقيق إنجاز جديد، وفكرة التلذّذ بالتعلّم بوصفه مؤشرا على استمرار الحياة وجمالها دافعا ذلّل أمامي كل الصعوبات، وعلّمني أن الحياة تستحق أن تعاش كاملة بكليّاتها وتفاصيلها، وأن ما منحه الله لنا من عمر لابد أن يتوجّه لإنجاز الأشياء التي نحبّها ونطمح إليها.
كنت أترحّلُ بين ثلاثة أماكن تتوزع بينها أيام الأسبوع بدقة لا مجال للخطأ فيها، بيتي الذي أمارس فيه أمومتي الكاملة، وجامعة البترا التي تشكّل وظيفتي التي أرغب أن أتميز فيها وأترقّى أكاديميّا، والجامعة العربية المفتوحة التي كانت هدفا عليّ أن أتحدّى فيه ذاتي وقدراتي ووقتي لأنجح فيما أقدمتُ عليه من مغامرة. وتسمية الذهاب إلى بداية جديدة بعد الانتهاء من ثلاث مراحل دراسية بالمغامرة هي تسمية واقعية موائِمة؛ فأي جنون يقدِم المرءُ عليه، بتوريط ذاته بسماع الدروس والانكباب على الواجبات وقلق الامتحانات من جديد؟!!.
ما زلت أذكر كيف كانت رحلتي اليومية بين جامعتين بما اكتنف ذلك من مشقة وإرهاق، ورحلتي النفسية بين دورين متباينين أحدهما أمارس فيه دور المعلِّم والثاني أمارس فيه دور المتعلِّم، وبينهما أُعايِن تجربتي الحياتية النَّشِطة وأعيد النظر في مفهوم الإنسان غير المهدور والقدرات البشرية والأحلام والطموح.
أنا أنظر الآن بشيء من الرضا إلى ما أنجزت، بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في اللغة العربية من الجامعة الأردنية، وبكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها بتقدير امتياز من الجامعة العربية المفتوحة، وأربعة مجموعات قصصية وكتابين نقديين، وجائزة في كتابة القصة القصيرة، وليس الفضل من قبل ومن بعدُ سوى لله، فله الحمد ومنه التوفيق.
لقد تعلّمتُ الكثير من مغامرة العودة إلى الدراسة بعمر كنت فيه أكثر تجربة ووعيا، وسأتذكّر دوما تفاصيل الجامعة العربية المفتوحة التي عايشتها كتلميذة تحمل شهادة الدكتوراه لكنها تتقبّل فكرة التعلّم والإنصات لمعلمين آخرين، بكل تقدير واحترام وبكل ما في طالب العلم من شغف.
ستبقى تلك المغامرة بصعوباتها وأشواكها وقلقها وتعبها حاضرة في وجداني ما حييت، ولن أنسى تلك اللحظة التي فوجئت فيها بأنني الأولى على الدفعة، تلك اللحظة التي ذابت معها كل الدروب الوعرة التي عاينتها وباتت نهرا شفيفا لامستُ في زرقتِهِ كلَّ الخبايا الجميلة الثمينة.